من أعمال أحمد بوزفور

من أعمال أحمد بوزفور
من أعمال أحمد بوزفور

نعرض لكم من أعمال أحمد بوزفور في موقع لكافة القراء والمتاعبين لنا في الوطن العربي حيث الصحيحة الرائجة على شبكة الإنترنت.

عرفت أحمد بوزفور عبر نصوص قليلة جدًّا منشورة له في الإنترنت، وجائزة مغربيّة مستقلّة للقصّة القصيرة مُسمّاة على اسمه، واحتفاء كبير به وبمنجزه القصصيّ من قبل قصّاصين مغاربة من جيلي، وتأثيره الكبير عليهم. طويلًا، لسنوات، بحثت عن كتبه في المكتبات، والمعارض، وبسطات الكتب المستعملة. لا شيء. الباحث عن أحمد بوزفور وكتاباته العجائبيّة، خارج المغرب، كالباحث عن السّراب، يراه هناك، يعرف أنّه هناك، لكنّ ذلك الشيء الذي هناك يظلّ يتحرّك، محافظًا على المسافة ذاتها بينك وبينه طوال وقت الحركة، ووقت السّكون. هذا الوصف لبحثي الدّائب عن كتب أحمد بوزفور، والذي انتهى بأن أرسل لي هو بنفسه كتبه بنسخة إلكترونيّة، أجده مناسبًا أيضًا لوصف كتابته، المتغيّرة، المتحوّلة، التي لا تأخذ شكلًا واحدًا، بل تتّخذ لنفسها هيئات عدّة: تشكيلٌ سحابيّ من الكلمات، أو عجينة طينيّة من الجُمل، تدعو متلقّيها للتبصّر فيها، أو وضع أصابعه داخلها، لاستنطاق معانيها الكامنة، المحتملة، «المجهولة» دائمًا، كما سيعلمنا القاصّ الأستاذ في إحدى إجاباته أدناه.

يعتبر أحمد بوزفور من أبرز رواد القصة القصيرة الحديثة في المغرب، وأبرز مجدّديها، ومجدّدي القصّة العربيّة القصيرة عمومًا. ولد عام 1945 بـ«قبيلة البرانس» القريبة من مدينة تازة الواقعة في شمالي شرق المغرب. تعلّم أولًا في الكتاتيب القرآنية، ثم التحق بالقرويّين بمدينة فاس، التي تابع فيها دراسته الابتدائيّة والثانويّة، وحصل بعدها على درجات جامعيّة عالية في الأدب العربي، ودرّسه في عدّة جامعات مغربيّة. بدأ الكتابة منذ نهاية ستّينيّات القرن الماضي، ونشر أولى قصصه في الصّحف أوائل سبعينيّاته، أما أولى مجموعاته القصصيّة فظهرت عام 1983 بعنوان: «النظر في الوجه العزيز»، ليُصدر بعدها «الغابر الظّاهر» (1987)، «صيّاد النّعام» (1993)، «ققنس» (2002)، ثمّ «قالت نملة»، المضمومة وكتبه الأربعة التي سبقتها في الطّبعة الثّانية من أعماله القصصيّة «ديوان السّندباد» (2010)، ليُصدر بعدها: «نافذة على الدّاخل» (2013).

هشام البستاني: نبدأ، طبعًا، من البداية. أحمد بوزفور قاصٌّ معروف ومؤثّر في المغرب، لكنّه خارج تلك المنطقة من العالم النّاطق بالعربيّة، قلّة من النّاس يعرفون عنه وعن منجزه الأدبيّ، لذا وجب التّعريف: من هو أحمد بوزفور اليوم، من كان بالأمس، كيف بدأ الكتابة، وكيف وصل إلى الشّكل الغرائبيّ العجائبيّ الذي يكتب فيه؟

أحمد بوزفور: أنا كاتب مغربي. ولدتُ سنة 1945. أنهيت دراستي الجامعية سنة 1970. عملت بعدها أستاذًا للّغة والأدب العربيّين. نشرتُ أول قصة لي سنة 1971. وكنت قبلها، ومنذ أوائل الستينيّات، قد كتبت نصوصًا كثيرة لم أرض عنها فمزّقتها. حين بدأت النّشر كانت السّاحة الأدبيّة المغربيّة منقسمة إلى تيارين كبيرين: تيار تقليديّ يخضع في السّياسة لأوامر الدّولة (نسميها في المغرب: المخزن)، ويخضع في طرق التّعبير للأساليب العربيّة البلاغيّة القديمة؛ وتيار حداثيّ متمرد تتجاذبه الرومانسيّات الثوريّة المختلفة. يكتب بالفرنسيّة والعربيّة. ويخضع في السّياسة والتعبير معًا للأيديولوجيّات اليساريّة وعلى رأسها الماركسيّة.

أغلب كتّاب جيلي -وأنا منهم- كانوا ينتمون إلى التيّار الثّاني، ولكن كتّابًا من هذا التّيار -وأنا منهم- ضاقوا ذرعًا بدوغمائيّة النّقد الواقعيّ الاشتراكيّ وثاروا عليه. تحملوا الاتّهامات العشوائية بالبورجوازية، وكتبوا خارج التّعليمات البليخانوفيّة. وكما كانوا يثورون في السّياسة على دهاقنة التيّار الأول، ثاروا في الأدب على دهاقنة التيّار الثّاني، وكتبوا نصوصًا حرّة أخذت شيئًا فشيئًا تجذب الكتّاب الشّباب، وتتّخذ لها موضعًا في السّاحة الأدبيّة.

بالنّسبة لي، كانت العجائبيّة مساحة حرّة دون اتّجاه ودون بوصلة ودون معلّمين، وساعدتني على تغيير نفسي بدل تغيير العالم، وعلى استبطان ذاتي بدل تصوير المجتمع، وعلى استهداف الجمال بدل استهداف الخير الذي يسعى إليه التيّار الأول، أو الحقّ الذي يسعى إليه التّيار الثاني.

انطلاقًا من السّؤال السّابق، يبدو لي أن السّبب الذي يجعل قطاعًا كبيرًا من القرّاء العرب يجهلون مساهماتك الأدبيّة أمران: النقد الأدبي الكسول والمستقيل من دوره (وهذا سيكون سؤالي التالي)، والنشر، موضوع سؤالي هذا. كتبك لم تُنشر في القاهرة أو بيروت أو عمّان، وهو ما ساهم -برأيي، وباستثناء قلّة نوعيّة من المهتمّين- بأن لا يعرف عنك الكتّاب والقراء في المشرق؛ والواضح أنّك متقشّف أو زاهد بالسعي لأن تُنشر خارج المغرب. هل هذا خيار؟ وهل أنت غير معنيّ بمتابعة وصول ما تكتب إلى جمهور أوسع من القرّاء، حسبك أن تكتب وكفى، أما ما يلي ذلك فهو فائض ومُتكلّف؟

أنا زاهدٌ في النّشر فعلًا، ليس خارج المغرب فقط، بل داخل المغرب أيضًا. وأغلب ما نشرته داخل المغرب حتى الآن كان بطلب من أصدقائي وبدعم منهم. لا يهمّني كثيرًا أن يعرفني الناس كاتبًا، أو أن تنتشر كتبي داخل المغرب أو خارجه. وأنا أحسد كثيرًا أصحاب النّصوص المجهولة. النّصوص الجميلة الرائعة التي نجدها مثلًا في الأدب الشعبيّ: حكايات وأغانيَ وأمثالًا، حكايات ألف ليلة، جلجامش، إلخ. ليس للجمال صاحب. الجمال في الأدب كالجمال في الطبيعة: حرٌّ ومتاحٌ للجميع. ولا ضرورة لتسويقه. إذا كان جميلًا وممتعًا، سيصل إليه العشّاق حتمًا يومًا ما.

ولكي أكون دقيقًا في الجواب عن سؤالك، فزهدي ليس خيارًا في الكتابة أكثر مما هو مزاج. لست كاتبًا محترفًا. أنا في الحقيقة قارئ. مدمن قراءة للنّصوص الجميلة (من كل الأزمنة والأمكنة والثّقافات). وبين الحين والحين، أحسّ بميلٍ إلى كتابة قصة، فأكتبها وأستمتع بمراجعتها وتنقيحها أو بهدمها وإعادة بنائها، وأقرأ ما كتبت على أصدقائي، فإذا أعجبهم وطلبوه للنّشر أدفعه لهم، وإلا بقي في أدراجي. نقطة. انتهى.

جانب آخر من الموضوع هو بؤس النّقد، سابقًا وحاليًّا. كان النقد -في أغلبه، وما يزال- تابعًا للسّلطة، وغالبًا ما يُحتفى بالكتّاب القريبين منها، أو أؤلئك الّذين عبّروا عن دعاياتها ونشروا أوهامها (بالتقدّم والتحرير والوحدة والأمل، سابقًا؛ وبالهويّات المحليّة، وما يستجدّ على أجندات الأنظمة، مثل «محاربة الإرهاب» و«مناهضة الفوضى» حاليًّا). زد على ذلك اليوم أن بعض النقد يركض خلف خيارات الجوائز، مادحًا مُعظّمًا مُبجّلًا، آملًا أن يحظى بطرف من الأموال، والنجوميّة، وأن يُختار ضمن هيئات التحكيم. سيكون سؤالًا مُبتذلًا أن أسألك إن أنصفك النقد، لكني سأسأل عن علاقتك بالنقد أو علاقة النقد بك، وكيف كنت تراه في الستينيّات والسبعينيّات، وكيف هو اليوم، وما تأثير غيابه؟

الإنصاف؟ أنا لا أبحث عنه. لست مظلومًا. يكفي أن يقرأني قارئ واحد ويستمتع لأحسّ بالسعادة. وحتى إذا لم يوجد هذا القارئ يكفي أن أقرأ أنا ما كتبت. ومع ذلك فقد قرأني كثيرون في المغرب. وبعضهم أحبّوا نصوصي، أو بعضها على الأقلّ. وكتب عنّي كثيرون في المغرب. استمتعت بما كتبوه وأفدت منه. وإذا كانت لي ملاحظة على النّقد المغربيّ في الستينيّات والسبعينيّات، ثم في الوقت الراهن، فهي أن النقد قديمًا كان يهتمّ بالقيمة الفنيّة للنصّ، وإن خضعت هذه القيمة للأسف لتعاليم النقد الأيديولوجيّ؛ وأن النقد القصصيّ اليوم لا يهتم بالقيمة، فأيّ نصّ عنده مثل أيّ نصّ آخر، لأنه يهتم بالتّحليل والمنهج والمصطلح أكثر مما يهتم بالجمال في النصوص (حضوره أو غيابه).

عام 2004، رفضت جائزة المغرب للكتاب، وهي جائزة حكوميّة تقدّمها وزارة الثقافة، احتجاجًا على الأوضاع السياسية والاقتصاديّة والثقافية، وهو موقف يُحترم، خصوصًا في سياقة علاقة مع السلطة تحاول فيها هذه الأخيرة الهيمنة على الإبداع، وتحويله إلى حالة تشبه التسوّل من جهة، تخضعه، وتلحقه بأدوات تأثيرها الاجتماعيّة من جهة ثانية. اليوم، يمتد نفوذ السّلطة أبعد من ذي قبل، ويمتد معها نفوذ مرتبط بها، هو نفوذ السّوق، ونفوذ الجوائز، كلّها تشتق نمطًا صريحًا او مضمرًا من الرّقابة، وتشتقّ مسارًا ذاتيًّا من التّدجين (للحصول على رضا الجوائز، ونيل الحظوة والنّجوميّة). كيف تنظر إلى علاقة الكاتب مع السّلطة ومشتقّاتها، وهل ثمّة مساحة أخرى -غير مساحة المواجهة- يمكن للإبداع أن يوجد فيها؟

للكتابة في اعتقادي معنى أساسي هو الحرية. حريّة التّعبير عن أيّ شيء وعن كل شيء. وحريّة التّعبير بأيّ شكل وبكلّ شكل. وبهذا المعنى فموقع الكاتب في اعتقادي هو أن يكون ضدّ أي سلطة، وضد كلّ السُّلط. مهمة الكاتب أن يخلق الجديد، ولن يخلقه إذا خضع لسلطة أيًّا كانت. ومهمّته أن يكون الجديدُ الذي يخلقه جميلًا، ولن يكون جميلًا إذا راعى النّماذج والرّقابة أيًّا كانت، والرّقابة الذاتيّة خصوصًا.

هل هناك مساحة أخرى غير المواجهة يمكن للإبداع أن يوجد فيها؟ للأسف لا. لأنّه حتى حين يبدع الكاتب في مساحة أخرى مثل المساحة المتعالية، أو مساحة التّجاهل، أو ما يسمى (الفن للفن)، أو (البرج العاجيّ)، إلخ، فإن ما يبدعه (إذا كان جديدًا وجميلًا) سيخلق تلقائيًّا مواجهة ومواجهين.

كثيرًا ما أُعرّفُ القصّة بأنها عالمٌ من «الإمكانات والاحتمالات»، مستعيرًا ذلك من فيزياء الكمّ؛ هي تحريضٌ مستمرٌّ على السّؤال بدلًا من كونها طريقًا للوصول إلى إجابات. في قصّتك «مدخل عن العطش» شيء قريب من هذه المقاربة، يرد فيها أنّ «القصّة هي البئر، لا الفأس». ما القصّة بالنّسبة لك؟ ما البئر، وما الفأس؟

ما القصّة بالنسبة لي؟ ليتني أعرف. إنّني أبحث عن معناها في كلّ نصّ أكتبه، وأحاول أن أقبض عليها، ولكنّها تتحوّل باستمرار، وتخلق لنفسها معاني جديدة باستمرار. هل هي عالم من الإمكانات والاحتمالات؟ بالتأكيد هي كذلك. ولكن ما هي الإمكانات والاحتمالات؟ مجاهيل.

موقع الكاتب في اعتقادي هو أن يكون ضدّ أي سلطة، وضد كلّ السُّلط. مهمة الكاتب أن يخلق الجديد، ولن يخلقه إذا خضع لسلطة أيًّا كانت.

كل المصطلحات تجرّ وراءها مفاهيمها، إلا القصّة: مفهومها أمامها. وإذا كانت اللّغة هي الفأس التي يحفر بها القصّاصون، فالقصة ليست الفأس قطعًا، بل هي البئر. لكن ليست أيّ بئر (فما في كلّ بئر ماء، وما كلُّ المياه عِذَاب).

استكمالًا لسؤالي السّابق، لا بدّ من التّعريج على العلاقة بين الكاتب وتغيير الواقع، بين الكتابة وعلاقتها بهذا التّغيير، إن كان ثمّة علاقة. الأدب متمهّل، يأخذ وقته ويتأمّل الحدث، يحفر فيه ولا يتوانى عن إعادة إنتاجه والنظر إليه من زوايا مختلفة متعدّدة، ربّما يؤهلّه ذلك للعب دور طويل المدى، نوع من تأسيس منظور أقرب إلى الحكمة منه إلى أي شي آخر. للمقالة السياسيّة، أو الفكريّة دور أكثر مباشرة: نقد الواقع اليوميّ المباشر، تمكين القارئ من أدوات التحليل والوعي النقديّ. هل تتفق معي في هذه «الوظائف» أو المآلات المتعدّدة لأنواع الكتابة؟ أيّ علاقة تجدها بين الكتابة (بأنواعها، الأدبيّة وغير الأدبيّة) وتغيير العالم؟ هل هناك علاقة؟

تغيير الواقع؟ كان هذا يراودنا في السبعينيّات. لكنّنا عرفنا فيما بعد أنّ الكتابة لا تغيّر الواقع، أو لا تغيّره في المدى المنظور على الأقل. ثم إنّها إذا غيّرت لا تغيّر مباشرة، بل تغيّر الأفكار والمشاعر والتوجّهات في الأشخاص الذين قد يغيّرون الواقع، أو يغيّرون من يغيّره. وعرفنا أيضًا أن الكُتَّاب يمكن أن يغيّروا الواقع، ليس بكونهم كتّابًا بل بكونهم مواطنين يعيشون في هذا الواقع ويعانون منه، وينتمون إلى أحزابه ونقاباته، ويشاركون بأشخاصهم وأجسادهم في النّضالات اليوميّة التي يخوضها الناس لتغيير الواقع.

وعلى العموم، فإن الواقع، كما تعرف، رمل يتحرك باستمرار. وهو لا ينتظر الكتابة والكُتَّاب ليتغيّر. وبعد حوالي نصف قرن من ممارسة الكتابة، يبدو لي أنّ الواقع قد تغيّر كثيًرا، وتغيّرنا نحن معه… ليس في الاتجاه الذي كنّا نأمله، ولكنه تغيّر على أي حال. وعزاؤنا أن الحلم الذي كان يراودنا يومئذ لم يفقد بريقه أبدًا، وأن الأمل في تحقيقه، ولو بأيدي الأجيال القادمة، ما يزال كما هو: قويًّا.. ومصرًّا.. ولا يتغيّر.

نشكرك على قراءة من أعمال أحمد بوزفور في الموقع ونتمنى أن تكون قد حصلت على التي تبحث عنها.

لقد قرأت من أعمال أحمد بوزفور في الموقع بالتفصيل الكامل 2024 ويمكنك من خلال أزرار المشاركة الموجود، مشاركة المحتوى على مواقع التواصل الاجتماعي، وسوف نسعى لكي نحصل على الجديد ما تبحثون عنه، لكي نساعدكم في معرفته.